الجواب:
غزوة أحد
ورد في حديث عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: "لما انصرف المشركون من أحد، ورجع المسلمون إلى المدينة، رأيت نسوة من المشركين يمثلن بالجثث، فقلت: يا رسول الله، أرأيت نسوة من المشركين يمثلن بالجثث؟ قال: نعم، لئن رجعت إلى المدينة لأمنعنهن من ذلك".
ومعنى "يمثلن بالجثث" أي يقطعن الجثث، ويمزقنها، ويقطعن الآذان والأنوف، ويفعلن بها ما يفعلون بالحيوانات.
وسبب قيامهن بذلك هو انتصار المشركين في غزوة أحد، وقتل عدد كبير من المسلمين، فغضبت نساؤهم، وقررن الانتقام من المسلمين بهذه الطريقة.
وقد أدان النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل، وأمر بمنعهن من ذلك، وأمر المسلمين بدفن القتلى في أسرع وقت ممكن، وعدم تركهم لغير المسلمين.
التفسير الموسع:
التمثيل بالجثث في الإسلام
التمثيل بالجثث هو فعل شنيع يخالف تعاليم الإسلام، وحرمته الشريعة الإسلامية، واعتبرته من الكبائر.
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحرم التمثيل بالجثث، منها:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل مسلما متعمدا، فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابا عظيما".
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل مؤمنا متعمدا، فقتل له بكل عضو منه عضو من القاتل، يقتص منه، حتى إذا لم يبق له عضو يقتص منه، قيل: اقتص من روحه بروح المقتول".
وحرمة التمثيل بالجثث تستند إلى عدة أمور:
- حرمة الإنسان: الإنسان مكرم في الإسلام، وحرمته الشريعة الإسلامية من جميع الجهات، ومنها حرمة جسمه.
- حرمة الحياة: الحياة حق مقدس في الإسلام، وحرمة التمثيل بالجثث تعني انتهاك حرمة الحياة، حتى بعد الموت.
- حرمة التعذيب: التمثيل بالجثث هو نوع من التعذيب، والتعذيب محرم في الإسلام.
الموقف من التمثيل بالجثث في المعاصرة
التمثيل بالجثث هو جريمة حرب، ويعتبرها القانون الدولي جريمة ضد الإنسانية. وقد تم إدانة التمثيل بالجثث في العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومنها:
- اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والتي تنص على أنه "يحظر على أي طرف في النزاع، سواء كان في حالة حرب دولية أو حرب أهلية، أن يقتل أو يعذّب أو يعامل معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة الأسرى أو الأشخاص المحميين الآخرين".
- اتفاقية لاهاي لعام 1907، والتي تنص على أنه "يجب معاملة الأسرى معاملة حسنة، ويحظر عليهم التمثيل بهم أو تعذيبهم".
وعلى الرغم من حرمة التمثيل بالجثث، إلا أنه ما زال يحدث في بعض الحروب والمعارك. وغالبا ما يقوم به الجنود الذين يشعرون بالانتقام أو الكراهية تجاه أعدائهم.
وهناك أسباب عديدة وراء وقوع التمثيل بالجثث، منها:
- العاطفة: قد يدفع الجنود إلى التمثيل بالجثث عاطفة الانتقام أو الكراهية تجاه أعدائهم.
- عدم التحضر: قد يرجع التمثيل بالجثث إلى عدم تحضر الجنود، وعدم معرفتهم بأحكام الإسلام أو القانون الدولي.
- الأمر من القيادات: قد يأمر قادة الجيش الجنود بالتمثيل بالجثث، بهدف بث الرعب في نفوس العدو.
وعلى الرغم من الأسباب التي تقف وراء وقوع التمثيل بالجثث، إلا أنه لا مبرر له أبدا، وهو فعل شنيع يجب الإدانة، والعمل على القضاء عليه.