الجواب:
من صور تعظيم السلف لأمر الفتيا أنهم يتحاشونها؛ لعظم خشيتهم من الله سبحانه وتعالى، وذلك لما يعلمون من خطورة الفتوى، وأنها من أعظم الأمانات، وأن من أفتى بغير علم فقد استحل دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وتعرض للهلاك في الدنيا والآخرة.
وقد روي عن كثير من السلف الصالح أنهم كانوا يتحاشون الفتوى، ويخشون من الإقدام عليها، فكانوا يقولون: "لا يحل لأحد أن يفتي إلا من كان عالمًا بما يفتي به، بصيراً بكتاب الله وسنة رسوله، خبيرًا بأقوال الصحابة والتابعين، عالمًا بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمصلحة والمفسدة".
ومن أمثلة ذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سئل عن الفتيا قال: "اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمور الناس فضعها في عنقه".
وسئل الحسن البصري رضي الله عنه عن أمر، فقال: "إن تركناهم وكلناهم إلى عيالهم، فكيف نرد عليهم؟".
وسئل ابن مسعود رضي الله عنه عن أمر، فقال: "ضعفت ديانته، وفسد رأيه، من أفتى الناس بغير علم".
وهذا التعظيم للفتوى من السلف الصالح هو حرص منهم على سلامة دين الناس ودنياهم، وإبعادهم عن الوقوع في الخطأ، والتعرض لسخط الله تعالى.
التفسير الموسع:
يمكن تفسير هذا التعظيم للفتوى من السلف الصالح على النحو التالي:
-
الخشية من الله تعالى: كان السلف الصالح شديدي الخشية من الله تعالى، وكانوا يعتقدون أن الله تعالى يحاسبهم على كل ما يصدر منهم من أقوال وأفعال، وأن من أفتى بغير علم فقد استحل دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، وتعرض للهلاك في الدنيا والآخرة.
-
الفهم العميق لخطورة الفتوى: كان السلف الصالح يدركون خطورة الفتوى، وأنها من أعظم الأمانات، وأن من أفتى بغير علم فقد أساء إلى دين الناس ودنياهم، وتعرض للهلاك في الدنيا والآخرة.
-
الحرص على سلامة دين الناس ودنياهم: كان السلف الصالح حريصين على سلامة دين الناس ودنياهم، وكانوا يعتقدون أن الفتوى هي وسيلة من وسائل هداية الناس إلى الحق، وأنهم مسؤولون أمام الله تعالى عن كل ما يقولونه للناس.
وبناءً على هذه الأسباب، كان السلف الصالح يتحاشون الفتوى، ويخشون من الإقدام عليها، إلا إذا كانوا متأكدين من أنهم على صواب، وأنهم قادرون على تحمل تبعات الفتوى.
وهذا التعظيم للفتوى من السلف الصالح هو نموذج يحتذى به في عصرنا الحالي، حيث كثرت الفتاوى من غير أهلها، وكثرت الأخطاء في الفتوى، مما أدى إلى ضياع كثير من الناس، وإلى تشتت الأمة.