مذكرة مخصصة لطلاب مادة العلاقات الدولية
تمهيد
نشأة العلاقات الدولية
المجتمعات البشرية مثلها مثل الأف ا رد لا يمكنها أن تعيش منعزلة عن بعضها البعض،
حيث كل مجتمع منها لا يمكنه أن يوفر متطلبات حياة الأف ا رد فيه بنفسه، فكان لا بد من
الاتصال المباشر، من أجل التعاون بين بني البشر، هذا التعاون الذي يؤدي إلى تواصل
الحياة البشرية، واستم ا ررها، ومن ثم تقدمها وتطويرها.
إن حاجة المجتمعات البشرية لبعضها بعض ولدت بينها شبكة من السلوك والتصرفات
أو المعاملات التي هي بمثابة حقوق وواجبات ينبغي حفظها لأصحابها، وبذلها لمستحقيها.
ومن المعلوم أن البشر مفطورون على حب السيادة والتملك، وأن طباعهم في الغالب
لو لم تهذب فإنها تميل إلى العدوانية والشر.
من أجل ذلك كله كان لابد من تنظيم العلاقات بين المجتمعات البشرية، على اعتبار
أن كل مجتمع هو كيان مستقل بحد ذاته، له حقوقه المترتبة على تعامل الآخرين معه، وعليه
واجباته تجاه هؤلاء الآخرين، ومن هنا بدأت فكرة العلاقات الدولية بين التجمعات البشرية،
وسادت بين البشر منذ القديم مجموعة من العادات والأع ا رف التي تضبط هذا المجال، والتي
كان لها مكانتها بين الشعوب المختلفة، واحت ا رمها عند كثير من الأمم.
منذ بداية الدعوة إلى الله ولم تكن أمة الإسلام بدعاً من هذه الأمم، حيث أدرك النبي
أهمية العلاقات بين الجماعات الدولية، ولم يكن هذا الأمر هو محض صدفة، بل إن طبيعة
ومن ثم من آمن الدعوة إلى الإسلام هي التي اقتضت هذا الأمر، فالله تعالى بعث محمد ا
كُنتُ م خَ يرَ أُمَّ ة أُ خرِجَ ت : معه إلى تشر هذه الدعوة إلى سائر الآفاق، وفي ذلك يقول الله تعالى
1(، فالله سبحانه وتعالى لم يبعث ( لِلنَّاسِ تَ أمُرُونَ بِا لمَ عرُوفِ وَتَ نهَ ونَ عَنِ ا لمُنكَرِ وَتُ ؤمِنُونَ بِالّلِ
وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّة لِ لنَّاسِ بَشِير ا وَنَذِير ا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ : 1(، ويقول ( أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَة لِ لْعَالَمِينَ
في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي 2(، وكذلك قول النبي ( النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
قَالَ : "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُ ن أَحَ د قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَ ةَ شَهْ ر ، وَجُعِلَتْ لِي الأ رْضُ
مَسْجِدًا وَطَهُو اً ر، فَأَيُّمَا رَجُ ل مِنْ أُ متِي أَدْرَكَتْهُ ال صلَا ةُ فَلْيُصَ ل ، وَأُحِ لتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِ ل لِأَحَ د
قَبْلِي، وَأعُْطِيتُ ال شفَاعَةَ ، وَكَانَ الن بِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَا صةً وَبُعِثْتُ إِلَى ال ناسِ عَا مةً ") 3(، فالنبي
عليه السلام مرسل لكل الأمم، لذا كان لا بد له من الاتصال بكل من يمكنه الاتصال به من
بعشيرته الأقربين س ا ر كما أمره ربه تعالى الناس من أجل تبليغ رسالة الله تعالى إليهم، فبدأ
4(، فآمنت به زوجه خديجة وعلي بن أبي طالب، وزيد ( وَأَنذِ رْ عَْشِيرَتَكَْ اْ لَْ قرَبِين : حيث قال
بن حارثة، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين) 5(، ثم تبعهم من تبعهم ممن آمن بدعوة
.
من آمن به من أهله وبني عشيرته، حيث حصل له نوع وبعد أن اجتمع حول النبي
قوة بهم، أُمر صلى الله عليه وسلم بأن يجهر بدعوته، وأن يبلغنها للناس كافة، وذلك بقوله
7(، وبالفعل فقد بدأ الناس يدخلون في ( فَْا صدَ عْ) 6( بِْمَا تؤمَرُْ وَْأَ عر ضْ عَْنِْ اْ لمُشرِكِينَْ : تعالى
الإسلام أرتالاً.
أمرهم بالخروج إلى الحبشة، قائلا لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها مليكا لا يظل
.) عنده أحد، وهي أرض صِدق حتى يجعل الله لكم فرجا ") 1
قد خطا أولى خطواته نحو إقامة علاقات خارجية - ومن هنا يبدو أن رسول الله
تتجاوز حدود شبه الجزرة العربية، باحثا عن أرض يعبد فيها المسلمون ربهم بعيدا عن إيذاء
قريش، وقد سوغ له ذلك ما علمه عن ملك الحبشة من العدل ومن أنه لن يظلم عنده أحد،
ولعل الله بعد ذلك يحدث أمرا
وأما الخطوة الثانية في مجال العلاقات الدولية كانت بعد أن توفي نصي ا ر رسول الله
إلى ثقيف بالطائف لعله يجد النصرة عمه أبو طالب، وزوجه خديجة، حيث توجه
والحماية عندها، وكان ذلك من شدة ما لاقاه من قومه من الإيذاء) 2(، وكانت هذه خطوة
خارج مكة. واضحة في علاقات النبي
من عرض نفسه على قبائل - أ وما الخطوة الثالثة في هذا المجال فتتمثل فيما قام به
العرب، ووفدهم الذين يفدون مكة في مواسم الحج، حيث عرض نفسه على بني كلب، وبني
يلتمس بذلك توسيع دائرة الدعوة إلى الله تعالى، حيث حنيفة، وبني عامر وغيرهم) 3(، وكان
قد كان يرجو من هذه الوفود أن تؤمن برسالته، ومن ثم تنقلها إلى أقوامها، فيكون النبي
ضمن وصول أخبار هذه الدعوة إلى قبائل هذه الوفود وهو مكانه بمكة، بطريقة تضمن له
انتشاار أوسع.
ثم تفِد هي إليه حتى تسمع منه، كل هذا إضافة إلى الوفود التي كانت تسمع بدعوته
وذلك مثل وفد نصارى الحبشة الذين أسلموا بعدما جلسوا إليه، وتعرفوا على صفاته الموجودة في
.) كتب